الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب (نسخة منقحة)
.الخبر عن دولة بني سبكتكين ملوك غزنة وما ورثوه من الملك بخراسان وما وراء النهر عن مواليهم وما فتحوه من بلاد الهند وأول أمرهم ومصاير أحوالهم. هذه الدولة من فروع دولة بني سامان وناشئة عنها وبلغت من الاستطالة والعز المبالغ العظيمة واستولت على ما كانت دولة بني سامان عليه في عدوتي جيحون وما وراء النهر وخراسان وعراق العجم وبلاد الترك وزيادة بلاد الهند وكان مبدأ أمرهم عن غزنة وذلك أن سبكتكين من موالي بني ألتيكين وكان ألتيكين من موالي بني سامان وكان في جملته وولاه حجابته وورد بخارى أيام السعيد منصور بن نوح وهو إذ ذاك حاجبه ثم تفوي ألتيكين هذا وعقد له السعيد منصور بن نوح سنة خمس وستين وثلثمائة وولى ابنه نوح ويكنى أبا القاسم واستوزر أبا الحسن العتبي وولى على نيسابور أبا الحسن محمد بن سيجور وكان سبكتكين شديد الطاعة له والقيام بحاجاته وطرقت دولة بني سامان النكبة من الترك واستولى بقراخان على بخارى من يد الأمير نوح ثم رجع إليها ومات أبو الحسن بن سيجور وولي مكانه بخراسان ابنه أبو علي واستبد على الأمير نوح في الاستيلاء على خراسان عند نكبة الترك فلما عاد الأمير نوح إلى كرسيه وثبت في الملك قدمه كاشفه أبو علي في خراسان بالانتقاض واستدعى أبا منصور سبكتكين يستمده على أبي علي ويستعين به في أحوال الدولة فبادر لذلك وكان له المقام المحمود فيه وولاه الأمير نوح خراسان فدفع عنها أبا علي ثم استبد بعد ذلك على بني سامان بها ثم غلبهم على بخارى وما وراء النهر ومحا أثر دولتهم وخلفهم أحسن خلف وأورث ذلك بنيه واتصلت دولتهم في تلك الأعمال إلى أن ظهر الغز وملك الشرق والغرب بنو سلجوق منهم فغلبوهم على أمرهم وملكوا تلك الأعمال جميعا من أيديهم حسبما يذكر ذلك كله ولنبدأ الآن بسبكتكين من الجهاد في بلاد الهند قبل ولايته خراسان ثم نأتي بأخبارهم..فتح بست. كانت بست هذه من أعمال سجستان وفي ولايتها ولما فسد نظام تلك الولاية بانقراض دولة بني الصفار واخترقت تلك العمالات طوائف فانفرد ببست أمير اسمه طغان ثم غلبه عليها آخر اسمه كان يكنى بأبي ثور فاستصرخ طغان سبكتكين على مال ضمنه على الطاعة والخدمة فسار سبكتكين إلى بست وفتحها وأخذ الوزير أبا الفتح علي بن محمد البستي الشاعر المشهور فأحضره واستكتبه وكتب لابنه محمود من بعده ثم استخلف سبكتكين وسار إلى قصدار من ورائها فملكها وقبض على صاحبها ثم أعاده إلى ملكه على مال يؤديه وطاعة يبذلها له..غزو الهند. ثم سار سبكتكين بعدما فتح بست وقصد غازيا بلاد الهند وتوغل فيها حتى افتتح بلادا لم يدخلها أحد من بلاد الإسلام ولما سمع به ملك الهند سار إليه في جيوشه وقد عبى العساكر والفيلة على عادتهم في ذلك بالتعبية المعروفة بينهم وانتهى إلى لمغان من ثغورة وتجاوزه وزحف إليه سبكتكين من غزنة في جموع المسلمين والتقى الجمعان ونصر الله المسلمين وأسر ملك الهند وفدى نفسه على ألف ألف درهم وخمسين فيلا ورهن في ذلك من قومه وبعث معه رجالا لقبض ذلك فغدر بهم في طريقه وتقبض عليهم فسار سبكتكين في تعبيته إلى الهند فقبض كل من لقيه من جموعهم وأثخن فيهم وفتح لمغان وهدمها وهي ثغر الهند مما يلي غزنة فاهتز لذلك جميال واحتشد وسار إلى سبكتكين فكانت بينهم حرب شديدة وانهزم جميال وجموع الكفر وخمدت شوكتهم ولم يقم لملوك الهند بعدها معه قائمة ثم صرف وجهه إلى إعانة سلطانه الأمير نوح كما نذكر..ولاية سبكتكين على خراسان. قد قدمنا أن الأمير نوح بن منصور لما طرقته النكبة ببخارى من الترك وملكها عليه بقراخان عبر النهر إلى آمل الشط واستصرخ ابن سيجور صاحب خراسان وفائقا صاحب بلخ فلم يصرخاه وبلغه مسير بقراخان عن بخارى فأغذ السير إليها وارتجع ملكه كما كان وهلك بقراخان فثبت قدمه في سلطانه وارتاب أبو علي وفائق بأمرهم عنده وغلط فائق بالمبادرة إلى بخارى للتهنئة والتقدم في الدولة من غير إذن في ذلك فسرح الأمير نوح غلمانه ومواليه فحاربوه وملكوا بلخا من يده ولحق بأبي علي بن سيجور فاستظهر به على فتنة الأمير نوح وذلك سنة أربع وثمانين فكتب الأمير نوح عند ذلك إلى سبكتكين يستدعيه للنصرة عليهما وعقد له على خراسان وأعمالها وكان في شغل شاغل من الجهاد بالهند كما ذكرناه فبادر بذلك وسار إلى نوح فلقيه واتفق معه ثم رجع إلى غزنة واحتشد وسار هو وابنه محمود ولقيا الأمير نوحا بخراسان في الموضع الذي تواعد معه ولقيهم أبو علي بن سيجور وفائق فهزمهما وفتك فيهم أصحاب سبكتكين واتبعوهم إلى نيسابور ثم صدوهم عنها إلى جرجان واستولى نوح على نيسابور واستعمل عليها وعلى جيوش خراسان محمود بن سبكتكين وأنزله بها ولقبه سيف الدولة وأنزل أباه سبكتكين بهراة ولقبه ناصر الدولة ورجع إلى بخارى.
|